← رجوع تم النشر في

صديقات متخيَّلات

أشعر بتقاربٍ عذب مع الأدب الذي كتبته النساء، بدفءٍ خاص تجاهه... يؤنسني أن أتخيل الواجبات النسائية اليومية في أثناء كتابة العمل؛ مثل العناية برضيع أو إعداد الطعام... وبالمقابل؛ يؤسفني ما واجهته المرأة الأديبة خصوصًا مع مجتمع يحكمه الرجال بذائقتهم وتصنيفاتهم، تلك التصنيفات التي جعلت الأخوات برونتي يكتبن تحت أسماء رجال مستعارة كيلا يلاقى أدبهن بالاستحقار لكونهن نساء، فاهتمامات النساء سخيفة وبالتالي أفكارهن، كما اعتقد الرجال في الماضي، وحتى اليوم أحيانًا... مثلما ضربت ڤرجينيا وولف مثالًا حول ذلك ساخرة في كتابها "غرفة تخص المرء وحده": "الاهتمام بكرة القدم رائع لكن الاهتمام بالموضة سخيف!"... أتخيل النساء الأديبات تحديدًا يواجهن تلك الصعوبات المجتمعية برمتها، يكتبن تحت وطأتها، يقدمن مخطوطات للناشرين الذين ينظرون بازدراء لهن مشككين بأن هذا العمل الأدبي قد كتبته امرأة! كما حدث مع ماري شيلي في روايتها

"فرانكشتاين"...

أن أقرأ لسيدة يشعرني أني أستمع إلى سر صديقة تخبرني إياه همسًا، جلسة أنثوية دافئة نتشاركها، أقرأ رسائل سلڤيا بلاث وأشعر أنها تشتكي لي وحدي زواجها المدمَّر ومسؤولية أطفالها، أتعاطف معها وأفهمها حين تقول أنها تخاف ظلام منزلها وتوحشها الوحدة، وأكاد أكتب لها رسالة داعمة ومحبة كأني أكتب لصديقة مقربة.. اقرأ لجين ويبستر بأسلوبها الرقيق وأحزن لوفاتها عند ولادة طفلتها الأولى وهي التي قضت حياتها تدعم دور الأيتام والأطفال المعوزين، أحزن لأمومتها التي لم تطالها أكثر يد احتاجت إليها..

أقرأ "طيور الشوك" وانا متعجبة كيف استطاع قلب كولين ماكلو المبدع أن يخلق لنا تلك الملحمة الآسرة؟

أقرأ لأجاثا كريستي بعبقريتها الخاصة، وأبتسم حين ألحظ أنَّ بعض اهتمامات النساء اللطيفة ثابتة وإن كنَّ أديبات؛ حين تبدي انزاعجًا ساخرًا في يومياتها حول مقاس ثيابها الكبير!

أقرأ "إذا أبصرتُ لثلاثة أيام" لهيلين كيلر وأعيش معها صراع روحها العاشقة للجمال ضد نور عينيها المُطفأ...

وقد يقول قائل، هذا ما يفعله الأدب، يجعلنا نتأثر بما نقرأ، أياً كان كاتبه، هذا صحيح تمامًا، لكن إذا كُتبت العبارة ذاتها من قِبل رجل و امرأة، لتفاعلت -شخصيًا- مع ما كتبته المرأة أضعافًا، لقربها مني ومن طبيعتي واهتماماتي في الإطار العام... فالحديث هنا ليس عن شيء سوى التقارب والألفة مع الأدب التي كتبته المرأة.

أمرُّ اليوم من جديد على قائمة الأعمال التي أود قراءتها هذا العام وأفرح حين أكتشف أنني اخترت معظمها مما كتبته النساء.. أي الكثير من الأديبات المجهولات بالنسبة لي، أولئك اللاتي سيصبحن قريبًا... صديقاتي المتخيَّلات!